responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 209
لَكُمْ فَأَسَرُّوا ذَلِكَ الْقَوْلَ، وَقَوْلُهُ: وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا إِشَارَةٌ إِلَى كَيْفِيَّةِ الْعَذَابِ وَإِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ كَافِيًا بَلْ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ قَطَعُوا بِأَنَّهُمْ وَاقِعُونَ فِيهِ فَتَرَكُوا النَّدَمَ وَوَقَعُوا فِيهِ فَجَعَلَ الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَقَوْلُهُ: يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمْ عَدْلًا. ثم قال تعالى:

[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 35]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
تَسْلِيَةً لِقَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَبَيَانًا لِأَنَّ إِيذَاءَ الْكُفَّارِ الْأَنْبِيَاءَ الْأَخْيَارَ لَيْسَ بِدْعًا، بَلْ ذَلِكَ عَادَةٌ جَرَتْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا نَسَبَ الْقَوْلَ إِلَى الْمُتْرَفِينَ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَيْضًا قَالُوا: إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ الْمُتْرَفِينَ هُمُ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ قَالَ عَنِ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا إِنَّهُمْ قَالُوا لِلْمُسْتَكْبِرِينَ لَوْلَا أَنْتُمْ لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلَى كَوْنِهِمْ مُصِيبِينَ فِي ذَلِكَ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً أَيْ بِسَبَبِ لَزُومِنَا لِدِينِنَا، وَقَوْلُهُ: وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أَيْ فِي الْآخِرَةِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا حَالُنَا عَاجِلًا خَيْرٌ مِنْ حَالِكُمْ، وَأَمَّا آجِلًا فَلَا نُعَذَّبُ إِمَّا إِنْكَارًا مِنْهُمْ لِلْعَذَابِ رَأْسًا أَوِ اعْتِقَادًا لِحُسْنِ حَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا قِيَاسًا [عَلَى حُسْنِ حالهم في الدنيا] .
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ خَطَأَهُمْ بِقَوْلِهِ:

[سورة سبإ (34) : آية 36]
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
يَعْنِي أَنَّ الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا لَا تَدُلُّ سِعَتُهُ وَضِيقُهُ عَلَى حَالِ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ فَكَمْ مِنْ مُوسِرٍ شَقِيٍّ وَمُعْسِرٍ تَقِيٍّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ أَنَّ قِلَّةَ الرِّزْقِ وَضَنْكَ الْعَيْشِ وَكَثْرَةَ الْمَالِ وَخِصْبَ الْعَيْشِ بِالْمَشِيئَةِ مِنْ غير اختصاص بالفاسق والصالح.
ثم بين فساد استدلالهم بقولهم:

[سورة سبإ (34) : آية 37]
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37)
يَعْنِي قَوْلَكُمْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا فَنَحْنُ أَحْسَنُ عِنْدَ اللَّهِ حَالًا لَيْسَ اسْتِدْلَالًا صَحِيحًا، فَإِنَّ الْمَالَ لَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّعَزُّزِ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمُفِيدُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ يَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ فَيُبْعِدُ عَنْهُ فَكَيْفَ يُقَرِّبُ مِنْهُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ إِقْبَالٌ عَلَى اللَّهِ وَاشْتِغَالٌ بِاللَّهِ وَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ وَصَلَ وَمَنْ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا حَصَلَ، وَقَوْلُهُ: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ أَيِ الْحَسَنَةُ فَإِنَّ الضَّعْفَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْحَسَنَةِ وَفِي السَّيِّئَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا الْمِثْلُ.
ثُمَّ زَادَ وَقَالَ: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ إِشَارَةً إِلَى دَوَامِ النَّعِيمِ وَتَأْبِيدِهِ، فَإِنَّ مَنْ تنقطع عنه النعمة لا يكون آمنا.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست